فصل: شهر ربيع الأول سنة 1216:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (نسخة منقحة)



.شهر ربيع الأول سنة 1216:

واستهل شهر ربيع الأول بيوم الأحد فيه ركب أغات الينكجرية الكبير العثملي وشق المدينة وخلفه سليم آغا المصري ودخل الكثير من العساكر والأجناد المصرية بمتاعهم وعازقهم وأحمالهم وطلبوا البيوت وسكنوها، ودخل محمد باشا المعروف بأبي مرق الغزي وهو المرشح لولاية مصر وسكن ببيت الهياتم بالقرب من مشهد الأستاذ الحنفي، وأرسل الى المشايخ وكبار الحارات وطلب منهم التعريف عن البيوت الخالية بالأخطاط.
وفي يوم الثلاثاء ثالثه، حضر حسين باشا القبطان من الجيزة ودخل المدينة وتوجه الى المشهد الحسيني فزاره وذبح به خمس جواميس وسبعة كباش واقتمتها خدمة الضريح، وحلق تاج المقام بأربعة شيلان كشميري، وأخذ قياس المقام ليصنع له ستراً جديداً، وفرق عليهم وعلى الفقراء نحو ألفي محبوب ذهب اسلامبولي.
وفي ذلك اليوم وقعت حادثة وهو أن شخصاً من العسكر بالجمالية شرب من العرقسوسي شربة عرقسوس ولم يدفع له ثمنها فكلم العرقسوسي القلق الانكشاري فأحضره وأمره بدفع ثمنها ونهره وأراد ضربه فاستل ذلك العسكري الطبنجة وضرب ذلك الحاكم فقتله وهرب الى حارة الجوانية ودخل الى دار وامتنع فيها وصار يضرب بالرصاص على كل من قصده فقتل خمسة أنفار ومر شخصان من الأرنؤد بتلك الخطة فقتلهما الانكشارية لكون الغريم أرنؤدياً من جنسهما، فلما أعياهم أمره حرقوا عليه الدار فخرج خارباً من النار فقبضوا عليه وقتلوه ومات تسعة أشخاص في شربة عرقسوس.
ووقع في ذلك اليوم أيضاً أن شخصين من القليونجية دخلا الى دار رجل نصراني فأخذا من بيته بقعتين من الثياب وخرجا فوجدا شخصين مارين من الفلاحين فسخراهما في حمل البقجتين فخرج النصراني وشكا الى القلق فأمر بالقبض على الشخصين العسكريين فتخلصا وهربا بعد أن انجرح أحدهما وأخذوا الشخصين المسخرين فقطعوا رؤسوهما ظلماً وعدواناً وذلك من مبدائ قبائحهم.
وفي يوم الأربعاء، رابعه ارتحل الفرنساوية وأخلوا قصر العيني والروضة والجيزة وانحدروا الى بحر الوراريق وارتحل معهم قبطان باشا ومعظم الانكليز ونحو الخمسة آلاف من عسكر الأرنؤد ومن الأمراء المصرية عثمان بك الأشقر ومراد بك الصغير وأحمد بك الكلارجي وأحمد بك حسن فكانت مدة الفرنساوية وتحكمهم بالديار المصرية ثلاث سنوات واحداً وعشرين يوماً فإنهم ملكوا بر انبابة والجيزة وكسروا الأمراء المصرية يوم السبت تاسع شهر صف سنة ثلاث عشرة ومائتين وألف وكان انتقالهم ونزولهم من القلاع وخلو المدينة منهم وانخلاعهم عن التصرف والتحكم ليلة الجمعة الحادي والعشرين من شهر صفر سنة ست عشرة ومائتين وألف فسبحان من لا يزول ملكه ولا يتحول سلطانه.
وفي ذلك اليوم، حضر السيد عمر أفندي نقيب الأشراف وصحبته السيد أحمد المحروقي شاه بندر التجار بمصر وعليهما خلعتا سمور وتوجها الى دورهما.
وفيه نبهوا على موكب حضرة الوزير يوسف باشا من الغد فلما أصبح يوم الخميس خامسه اجتمع الناس من جميع الطوائف وسائر الأجناس وهرع الناس للفرجة وخرجت البنت من خدرها واكتروا الدور المطلة على الشارع بأغلى الأثمان وجلس الناس على السفائف والحوانيت صفوفاً وانجر الموكب من أول النهار الى قريب الظهر ودخل من باب النصر وشق من وسط المدينة وأمامه العساكر المختلفة من الأرنؤد وأرط الينكجرية والعساكر الشامية والأمراء المصرلية والمغاربة والقليونجية وطاهر باشا باشة الأرنؤد وابراهيم باشا والي حلب ومحمد باشا والي مصر والكتبة ورئيس الكتاب وكتخدا الدولة والأغوات الكبار بالطبول والنقرزانات وقاضي العسكر ونواب القضاء والعلماء المصرية ومشايخ التكايا والدراويش وأقبل المشار إليه وأمامه الملازمون بالبراقع والجاويشية والسعاة والجوخدارية وعليه كرك صوف سنجاني مطرز مخبش وعلى رأسه شلنج بفصوص الماس وخلفه إثنان عن يمينه وشماله ينثرون دراهم الفضة البيضاء ضربخانة اسلامبول على المتفرجين من النساء والرجال وخلفه أيضاً العدة الوافرة من أكابر أتباعه وبعدهم الكثير من عسكر الأرنؤد وموكب الخازندار وخلفه النوبة التركية المختصة به ثم المدافع وعربات الجبخانات وعملوا وقت الموكب شنكاً ضربوا فيه مدافع كثيرة فكان ذلك اليوم يوماً مشهوداً وموسماً وبهجة وعيداً عمت المسلمين فيه المسرات ونزلت في قلوب الكافرين الحسرات ودقت البشائر وقرت النواظر وأمروا بوقود المنارات سبع ليال متواليات فلله الحمد والمنة على هذه النعمة ونرجو من فضله أن يصلح فساد القلوب، ويوفق أولي الأمر للخير والعدل المطلوب ويلهمهم سلوك سواء السبيل القويم ويهديهم الى الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين آمين وممن قدم بصحبة ركاب المشار إليه من أكابر دولتهم ابراهيم باشا والي حلب وابراهيم باشا المعروف بأبي مرق وخليل أفندي الرجائي الدفتردار ومحمود أفندي رئيس الكتاب وشريف آغا نزله أمين ومحمد آغا جيجي باشا الشهير بطوسون ووقع الاختيار بأن يكون سكن المشار إليه ببيت رشوان بك بحارة عابدين تجاه بيت عبد الرحمن كتخدا القزدغلي.
وفي يوم الجمعة، نودي بإبطال كلف القلفات وإبطال شرك العسكر لأرباب الحرف إلا من شارك برضاه وسماحة نفسه فلم يمتثلوا لذلك واستمر أكثرهم على الطلب من الناس.
وفي يوم الأحد، نودي بأن لا أحد يتعرض بالأذية لنصراني ولا يهودي سواء كان قبطياً أو رومياً أو شامياً فإنهم من رعايا السلطان والماضي لا يعاد والعجيب أن بعض نصارى الأروام الذين كانوا بعسكر الفرنسيس تزيوا بزي العثمانية وتسلحوا بالأسلحة واليطقانات ودخلوا في ضمنهم وشمخوا بآنافهم وتعرضوا بالأذية للمسلمين في الطرقات بالضرب والسب باللغة التركية ويقولون في ضمن سبهم للمسلم فرنسيس كافر ولا يميزهم إلا الفطن الحاذق أو يكون له بهم معرفة سابقة.
وفيه، أرسلوا هجاناً الى الحجاز ومعه فرمان بخبر الفتح والنصر وارتحال الفرنساوية من أرض مصر ودخول العثمانية ومكاتبات من التجار لشركائهم بإرسال المتاجر الى مصر.
وفيه أرسلوا فرمانات أيضاً الى اأقاليم المصرية والقرى بعدم دفع المال الى الملتزمين ولا يدفعون شيئاً إلا بفرمان من الوزير.
وفي يوم الإثنين، قتلوا شخصاً بالرميلة يسمى حجاجاً كان متولي الأحكام ببولاق أيام لفرنسيس وجار وعسف وقتل معه آخر يقال إنه أخوه.
وفيه، أيضاً قتلوا أشخاصاً بالأزبكية وجهات مصر.
وفيه، ركب الوزير بثياب التخفيف وشق المدينة وتأمل في الأسواق وأمر بمنع العسكر من الجلوس على حوانيت الباعة وأرباب الصنائع ومشاركتهم في أرزاقهم ثم توجه الى المشهد الحسيني فزاره ثم عبر الى دار السيد أحمد المحروقي وشرفه بدخوله إليه فجلس ساعة ثم ركب وأعطى أتباعه عشرين ديناراً وذكر له أنه إنما قصد بحضوره إليه تشريفه وتشريف أقرانه وتكون له منقبة وذلك على ممر الأزمان وأما العسكر فلم يمتثلوا ذلك الأمر إلا أياماً قليلة ووقع بسبب ذلك شكاوي ومشاكلات ومرافعات عند العظماء.
وفي يوم الثلاثاء، وصل قاصد من دار السلطنة على يده شال شريف من حضرة الهنكار السلطان سليم خان خطاباً لحضرة الوزير ومعه خنجر مرصع بفصوص الماس وهو جواب عن رسالته بدخول بلبيس.
وفيه، نودي بتزيين الأسواق من الغد تعظيماً ليوم المولد النبوي الشريف فلما أصبح يوم الأربعاء كررت المناداة والأمر بالكنس والرش فحصل الاعتناء وبذل الناس جهدهم وزينوا حوانيتهم بالشقق الحرير والزردخان والتفاصيل الهندية مع تخوفهم من العسكر وركب المشار إليه عصر ذلك اليوم وشق المدينة وشاهد الشوارع وعند المساء أوقدوا المصابيح والشموع ومنارات المساجد وحصل الجمع بتكية الكلشني على العادة وتردد الناس ليلاً للفرجة وعملوا مغاني ومزامير في عدة جهات وقراءةقرآن وضجت الصغار في الأسواق وعم ذلك سائر أخطاط المدينة العامرة ومصر وبولاق وكان من المعتاد القديم أن لا يعتني بذلك إلا بجهة الأزبكية حيث سكن الشيخ البكري لأن عمل المولد من وظائفه وبولاق فقط.
وفي يوم الخميس ثاني عشره سافر سليمان آغا وكيل دار السعادة وصحبته عدة هجانة الى ناحية الشام لإحضار المحمل الشريف وحريمات الأمراء الى مصر.
وفيه افتتحوا ديوان مزاد الأعشار والمكوس وذلك ببيت الدفتردار ولله الأمر من قبل ومن بعد.
وفيه حضر اليسرجي الذي جلب مملوك الشيخ البكري الذي تقدم ذكره الى بيت القاضي وأحضروا الشيخ خليلاً البكري وادعى عليه أنه قهره في أخذ المملوك بالفرنسيس وأخذه منه بدون القيمة وأنه كان أحضره على ذمة مراد بك وطال بينهما النزاع وآل الأمر بينهما الى انتزاع المملوك من المذكور وقد كان أعتقه وعقد له على ابنته فأبطلوا العتق وفسخوا النكاح وأخذ المملوك عثمان بك الطنبرجي المرادي ودفع للشيخ دراهمه ولجلابه باقي الثمن وتجرع فراقه.
وفي يوم الجمعة ركب الوزير وحضر الى الجامع الأزهر وصلى به الجمعة وخلع على الخطيب فرجية صوف وفي ذلك اليوم احترق جامع قايتباي الكائن بالروضة المعروف بجامع السيوطي والسبب في ذلك أن الفرنسيس كانوا يصنعون البارود بالجنينة المجاورة للجامع فجعلوا ذلك الجامع مخزناً لما يصنعوه فبقي ذلك بالمسجد وذهب الفرنسيس وتركوه كما هو وجانب كبريت في أنخاخ أيضاً فدخل رجل فلاح ومعه غلام وبيده قصبة يشرب بها الدخان وكأنه فتح ماعوناً من ظروف البارود لأخذ منه شيئاً ونسي المسكين القصبة بيده فأصابت البارود فاشتغل جميعه وخرج له صوت هائل ودخان عظيم واحترق المسجد واستمرت النار في سقفه بطول النهار واحترق الرجل والغلام.
وفي يوم الأحد خامس عشره، أشيع بأنه كتب فرمان على النصارى أنهم لا يلبسون الملونات ويقتصرون على لبس الأزرق والأسود فقط فبمجرد الإشاعة وسماع ذلك ترصد جماعة القلقات لمن يمر عليهم من النصارى ومن لم يجدوه بثياب ملونة يأخذوا طربوشه ومداسه الأحمر ويتركوا له الطاقية والشد الأزرق وليس القصد من أولئك القلقات الانتصار للدين بل استغناء السلب وأخذ الثياب ثم أن النصارى صرخوا الى عظمائهم فأنهوا شكواهم فنودي بعدم التعرض لهم وأن كل فريق يمشي على طريقته المعتادة.
وفي يوم الإثنين، طلب الوزير من التجار مائة كيس وعشرة أكياس سلفة من عشور البهار وألزمهم بإحضارها من الغد فاجتمع المستعدون لجمع الفردة في أيام الفرنساوية كالسيد أحمد الزور وكاتب البهار وأرادوا توزيعها على المحترفين كعادتهم فاجتمع أرباب الحرف الدنيئة وذهبوا الى بيت الوزير والدفتردار واستغاثوا وبكوا فرفعوا عنهم الطلب وألزموا بها المياسر.
وفيه قلدوا محمد آغا تابع قاسم بك موسقو الابراهيمي وجعلوه والياً عوضاً عن علي آغا الشعراوي.
وفي ثامن عشرينه الموافق لثالث مسرى القبطي كان وفاء النيل المبارك وركب محمد باشا المعروف بأبي مرق المرشح لولاية مصر في صبحها الى قنطرة السد وكسروا جسر الخليج بحضرته وفرق العوائد وخلع الخلع ونثر الذهب والفضة.
وفيه عزل الوزير القاضي وهو قاضي العرضي الذي كان ولاه الوزير قاضي العسكر بمصر نائباً عمن يؤول إليه القضاء باسلامبول، فلما تولى ذلك حصل منه تعنت في الأحكام وطمع فاحش وضيق على نواب القضاء بالمحاكم ومنعهم من سماع الدعاوي ولم يجرهم على عوائدهم وأراد أن يفتح باباً في الأملاك والعقار ويقول إنها صارت كلها ملكاً للسلطان لأن مصر قد ملكها الحربيون وبفتحها صارت ملكاً للسلطان فيحتاج أن أربابها يشترونها من الميري ثانياً ووقع بينه وبين الفقهاء المصرية مباحثات ومناقشات وفتاوى وظهروا عليه ثم تحامل عليه بعض أهل الدولة وشكوه الى الوزير فعزله وقلد مكانه قدسي أفندي نقيب الأشراف بحلب سابقاً ونقل المعزول متاعه من المحكمة مدة ولايته خمسة عشر يوماً.
وفي ذلك اليوم أيضاً خلع الوزير على الأمير محمد بك الألفي فروة سمور وقلده إمارة الصعيد وليرسل المال والغلال ويضبط مواريث من مات بالصعيد بالطاعون فبرز خيامه من يومه الى ناحية الآثار وأسكن داره بالأزبكية رئيس أفندي.
وفي يوم الجمعة حضر الوزير الى جامع المؤيد وصلى به الجمعة.
وفيه قبضوا على عرفة بن المسرى وحبس ببيت الوزير بسبب أخيه ابراهيم كان شيخ مرجوش وتقيد بقبض فردة الفرنسيس، ثم ذهب الى المحلة وتوفي بها فغمزوا على أخيه عرفة المذكور وقبضوا عليه وحبسوه وأرسلوا فرماناً الى المحلة بضبط ماله وما يتعلق به وبأخيه عند شركائهما ثم نهبوا بيت المذكور.
وفي يوم الثلاثاء رابع عشرينه، طلبت ابنة الشيخ البكري وكانت ممن تبرج مع الفرنسيس بمعينين من طرف الوزير فحضروا الى دار أمها بالجودرية بعد المغرب وأحضروها ووالدها فسألوها عما كانت تفعله فقالت إني تبت من ذلك فقالوا لوالدها ما تقول أنت فقال أقول إني بريء منها فكسروا رقبتها وكذلك المرأة التي تسمى هوى التي كانت تزوجت نقولا القبطان. ثم أقامت بالقلعة وهربت بمتاعها وطلبها الفرنساوية وفتش عليها عبد العال وهجم بسببها عدة أماكن كما تقدم ذكر ذلك، فلما دخلت المسلمون وحضر زوجها مع من حضر وهو إسمعيل كاشف المعروف بالشامي أمنها وطمنها وأقامت معه أياماً فاستأذن الوزير في قتلها فأذنه فخنقها في ذلك اليوم أيضاً ومعها جاريتها البيضاء أم ولده وقتلوا أيضاً امرأتين من أشباههن.
وفي يوم الأربعاء أرسلوا طائفة معينين من طرف محمد باشا أبي مرق الى أخي الشواربي شيخ قليوب فأحضروه على غير صورة ماشياً مكتوفاً مسحوباً مضروباً من قليوب الى مصر فحبسوه ببيت الوزير ثم حضر أخوه وصالح عليه بعشرة أكياس قام بدفعها وأطلق قيل إن السبب في ذلك أن جماعة من أتباع محمد باشا ذهبوا الى قليوب وطلبوا تبناً فطردهم الساكن وأعطاهم دارهم ذهبوا عنه وتركوه وإن عاند سبوه وضربوه وشتمهم وردهم من غير شيء وقيل إن ذلك بإغراء ابن المحروقي لضغين بينه وبينهم قديم.
وفي آخره، تحرر ديوان العشور فكان المتحصل ستة عشر ألف كيس.
وفيه تشاجر طائفة من الينكجرية مع طائفة من الانكليز بالجيزة وقتل بينهما أشخاص فنودي على الينكجرية ومنعوا من التعدي الى بر الجيزة.
وفيه كثر اشتغال طائفة العسكر بالبيع والشراء في أصناف المأكولات وتسلطوا على الناس بطلب الكلف ورتبوا على السوقة وأرباب الحوانيت دراهم يأخذونها منهم في كل يوم ويأخذون من الخابز الخبز من غير ثمن وكذلك يشربون والقهوة من القهاوي ويحتكرون ما يريدون من الأصناف ويبيعونها بأغلى الأثمان ولا يسري عليهم حكم المحتسب وكذلك تسلطوا على الناس بالأذية بأدنى سبب وتعرضوا للسكان في منازلهم فتأتي منهم الطائفة ويدخلون الدار ويأمرون أهلها بالخروج منها ليسكونها فإن لاطفهم الساكن وأعطاهم دراهم ذهبوا عنهم وتركوه وإن عاند سبوه وضربوه ولو عظيماً وإن شكا الى كبيرهم قوبل بالتبكيت ويقال له ألا تفسحوا لإخوانكم المجاهدين الذين حاربوا عنكم وأنقذوكم من الكفار الذين كانوا يسومونكم سوء العذاب ويأخذون أموالكم ويفجرون بنسائكم وينهبون بيوتكم وهم ضيوفكم أياماً قليلة فما يسع المسكين إلا يكلفهم بما قدر عليه وإن أسعفته العناية فانصرفوا عنه بأي وجه فيأتي إليه خلافهم وإن سكنوا داراً أخربوها وأما القلقات والينكجرية الذين تقيدوا بحارات النصارى فإنهم كلفوهم أضعاف ما كلفوا به المسلمين ويطلبون منهم بعد كلف المأكل واللوازم مصروف الجيب وأجرة الحمام وغير ذلك وتسلطت عليهم المسلمون بالدعاوي والشكاوي على أيدي أولئك القلقات فيخلصون منهم ما لزمهم بأدنى شبهة ولا يعطون المدعي إلا القليل من ذلك والمدعي يكتفي بما حصل له من التشفي والظفر بعدوه وإذا تداعي شخص على شخص أو امرأة مع زوجها ذهب معهم أتباع القلق الى المحكمة إن كانت الدعوى شرعية فإذا تمت الدعوى أخذ القاضي محصوله ويأخذ مثله أتباع القلق على قدر تحمل الدعوى.

.شهر ربيع الثاني سنة 1216:

واستهل شهر ربيع الثاني بيوم الثلاثاء فيه أفرج عن عرفة بن المسيري وصولح عليه بخمسة عشر كيساً وكتب له فرمان برد منهوباته وعدم التعرض لتعلقاته بالمحلة.
وفي يوم الأربعاء ثانيه، أمر الوزير الوجاقلية بلبس القواويق على عادتهم القديمة فأخبروا ابراهيم بك فقال الأمر عام لنا ولكم أو لكم فقط فقالوا لا ندري فسأل ابراهيم بك الوزير المشار إليه فقال له بل ذلك عام فلما كان يوم الجمعة حادي عشره لبس الوجاقلية والأمراء المصرية زيهم من القواويق المختلفة الأشكال على عادتهم القديمة حسب الأمر بذلك وكذلك الأمراء الصناجق وحضروا في يوم الجمعة بديوان الوزير ونظر إليهم وأعجب بهيآتهم واستحسن زيهم ودعا لهم وأثنى عليهم وأمرهم أن يستمروا على هيئتهم وذلك على ما هم فيه من التفليس وغالبهم لا يملك عشاء ليلته فضلاً عن كونه يقتني حصاناً وشنشاراً وخدماً ولوازم لابد منها ولا غنى للمظهر عنها.
وفيه حضرت جماعة من عسكر القبط الذين كانوا ذهبوا بصحبة الفرنساوية فتخلفوا عنهم ورجعوا الى مصر.
وفيه أرسلوا تنابيه للملتزمين بطلب بواقي مال سنة ثلاث عشرة وأربع عشرة فاعتذروا بأنهم ممنوعون من التصرف فمن أين يدفعون البواقي.
وفي يوم الخميس نبهوا على العساكر المتداخلة في الينكجرية وغيرهم بالسفر.
وفيه كتبت فرمانات باللغة العربية بترصيف صاحبنا العلامة السيد إسمعيل الوهبي المعروف بالخشاب وأرسلت الى البلاد الشرقية والمنوفية والغربية مضمونها الكف عن أذية النصارى واليهود أهل الذمة وعدم التعرض لهم وفي ضمنه آيات قرآنية وأحاديث نبوية والاعتذار عنهم بأن الحامل لهم على تداخلهم مع الفرنساوية صيانة أعراضهم وأموالهم.
وفي يوم الجمعة، أحضروا رمة زوجة ابراهيم بك وعملوا لها قبراً بجانب أخيها محمد بك أبي الذهب بمدرسته المقابلة للجامع الأزهر ودفنوها به.
وفي يوم السبت خامسه، ورد الخبر بوفاة أحمد بك حسن أحد الأمراء الذين توجهوا صحبة حسين باشا القبطان والفرنساوية وكان القبطان وجهه الى عرب الهنادي الذين يحملون الميرة الى الفرنسيس المحصورين بإسكندرية وضم إليه عدة من العسكر فحاربهم وقاتلهم عدة مرار فأصابته رصاصة دخلت في جوفه فرجع الى مخيمه ومات من ليلته وكان يضاهي سيده في الشجاعة والفروسية.
وفيه اطلعوا للملتزمين التصرف في سنة خمس عشرة ليقضوا ما لهم وما عليهم من البواقي ومال الميري والمضاف ويدفعوا جميع ذلك الى الخزينة بأوراق مختومة من ابراهيم بك وعثمان بك والقصد من ذلك اطمئنانهم بالجباية والرجاء بالتصرف في المستقبل ووعدهم بذلك سنة تاريخه بعد دفعهم الحلوان مع أن الفرنساوية لما استقر أمرهم بمصر ونظروا في الأموال الميرية والخراج فوجدوا ولاة الأمور يقبضون سنة معجة ونظروا في الدفاتر القديمة واطلعوا على العوائد السالفة ورأوا ذلك كان يقبض أثلاثاً مع المراعاة في ري الأراضي وعدمه فاختاروا الأصلح في أسباب العمار وقالوا ليس من الإنصاف المطالبة بالخراج قبل الزراعة بسنة وأهملوا وتركوا سنة خمس عشرة فلم يطالبوا الملتزمين بالأموال الميرية ولا الفلاحين بالخراج فتنفست الفلاحون وراج حالهم وتراجعت أرواحهم مع عدم تكليفهم كثرة المغارم والكلف وحق طرق المعينين ونحو ذلك.
وفي يوم الثلاثاء ثامنه، وصلت قافلة شامية وبها بضائع وصابون ودخان وحضر السيد بدر الدين المقدسي والحاج سعودي الحناوي وآخرون وتراجع سعر الصابون والقناديل الخليلي والدخان.
وفيه ورد الخبر بسفر الفرنساوية ونزولهم المراكب من ساحل أبي قير.
وفي يوم الأحد حبس حسن آغا محرم المنفصل عن الحسبة وطولب بمائتي كيس وذلك معتاد الحسبة في الثلاث سنوات التي تولاها أيام الفرنساوية فإنه لما تقلد أمر الحسبة في أيامهم منعوه من أخذ العوائد والمشاهرات من السوقة وجعلوا له مرتباً في كل يوم يأخذه من الأموال الديوانية نظير خدمته وكذلك أتباعه وطالبوه أيضاً بأربعة آلاف قرش كان أعطاها له نزله أمين عند حضورهم في العام الماضي لمشتروات الذخيرة ثم نقض الصلح عقيب ذلك وخرجوا من مصر وبقيت بذمته فأخبر أن الفرنساوية علموا بها وأخذوها منه وأعطوه ورقة بوصول ذلك إليهم فلم يقبلوا منه ذلك، وبقي معتقلاً وادعوا عليه أيضاً بتركة الآغا الذي كان نزيله ومات عنده واحتوى على موجوده فأخبر أيضاً أن الفرنسيس أخذوا منه ذلك أيضاً وأعطوه سنداً فلم يقبلوا منه ذلك واستمر محبوساً.
وفي يوم الإثنين رابع عشره، نودي على أن أهل البلدة لا يصاهرون العساكر العثمانية ولا يزوجونهم النساء وكان هذا الأمر كثر بينهم وبين أهل البلد وأكثرهم النساء اللاتي دون مع الفرنساوية ولما حضر العثمانية تحجبن وتنقبن وتوسط لهن أشباههن من الرجال والنساء وحسنوهن للطلاب ورغبوا فيهن الخطاب فأمهروهن المهور الغالية، وأنزلوهن الناصب العالية وفي ذلك اليوم أيضاً نودي على أهل الذمة بالأمن والأمان وأن المطلوب منهم جزية أربع سنوات.
وفي قبض على جربجي موسى الجيزاوي وعمل عليه عشرون كيساً.
وفيه قبض محمد باشا أبو مرق على مقدمه مصطفى الطاراتي وضربه علقة وحبسه وألزمه بمبلغ دراهم.
وفيه سافر الانكليزية الذين بالجيزة والروضة الى جهة الإسكندرية وأشيع أن الحرب قائمة بين العساكر والفرنسيس الاسكندرانية، من يوم الإثنين سابعه، فطلبوا المراكب حتى شح وجودها وضاق الحال بالمسافرين واستمر طلبهم ونزولهم عدة أيام، وكذلك نبهوا على الكثير من العساكر الإسلامية بالسفر.
وفي يوم الخميس، نقضت الأوامر بتصرف الملتزمين في البلاد وقيدت صيارف من نصارى القبط بالنزول الى البلاد لقبض الأموال في غير أوانها لطرف الدولة.
وفي يوم الجمعة ثامن عشره، لبس الأمراء الكبار القواويق على رؤوسهم.
وفيه قبض من مصطفى الطاراتي المعتقل المتقدم ذكره خمسة عشر ألف ريال ولم يزل معتقلاً وقيل إنه غمز عليه فوجد له في مكان صندوقان ضمنهما ذهب نقد عين ومصطفى هذا كان كلارجياً عند قائد آغا حين كان بمصر فلما خرج الأمراء مقدماً عند بونابارته، ثم عند كلهبر. فلما وقعت الفتنة السابقة وظهر يعقوب القبطي وتولى أمر الفردة وجمع المال تقيد بخدمته وتولى أمر اعتقال المسلمين وحبسهم وعقوبتهم وضربهم فكان يجلس على الكرسي وقت القائلة ويأمر أعوانه بإحضار أفراد المحبوسين من التجار وأولاد الناس فيمثل بين يديه ويطالبه بإحضار ما فرض عليه مما لا طاقة له به ولا قدرة له على تحصيله فيعتذر بخلو يده ويترجى إمهاله فيزجره ويسبه ويأمر بضربه فيبطحونه ويضرب بين يديه ويرده الى السجن بعد أن يأمر أعوانه أن يذهب الى داره وصحبته الجماعة من عسكر الفرنسيس ويهجمون على حريمه وأمثال ذلك.
وفي يوم الأحد، وردت أخبار من إسكندرية بتملك العساكر الإسلامية والانجليزية متاريس الفرنساوية وأخذهم المتاريس الى جهة العجمي وباب رشيد وجانباً من إسكندرية القديمة وتخطت المراكب وعبرت الى المينة وأن الفرنساوية انحصروا داخل الأبراج وأخذ منهم نحو المائة وسبعين أسيراً وقتل منهم عدة وافرة ووقعت بين الفريقين مقتلة عظيمة لم يقع نظيرها وقتل الكثير من عسكر قبطان باشا وكذلك من الانجليز، ثم انجلت الحرب عما ذكر، فلما ورد الخبر بذلك ضربوا عدة مدافع وسر الناس بذلك.
وفيه ورد الخبر بوصول سليمان صالح الى بلبيس وصحبته المحمل والحريمات وأحضر معه رمة سيده صالح بك ليدفنها بمصر بالقرافة فخرج أناس لملاقاتهم، وأخذوا معهم حمير مكارية لكراوي النساء وهدبه.
وفي يوم الإثنين، وصل سليمان آغا الى بركة الحاج وصحبته المحمل ونساء الأمراء القادمين من الشام ومعه أيضاً رمة صالح بك ليدفنها بقرافة مصر، فخرج الناس لملاقاتهم وأخذوا معهم حمير مكارية لركوب النساء وهديات ونودي في عصريته بعمل موكب من الغد وطاف ألاي جاويش بزيه المعتاد وخلفه القلبجية وهم ينادون يارن ألاي، فلما أصبح يوم الثلاثاء ثاني عشرينه عمل الموكب، وانجر الألاي ودخل المحمل من باب النصر وشقوا به من الشارع الأعظم وصادف ذلك اليوم يوم مولد المشهد الحسيني والأسواق مزينة وعلى الحوانيت الشقق الحرير والزردخات والتفاصيل وتعاليق القناديل ومشى في الموكب رسوم لوجاقلية والأوده باشية وأكثر الأمراء والمشايخ والعلماء ونقيب الأشراف ونبه على جميع الأشراف تلك الليلة بالحضور في صبح ذلك اليوم للمشي في ذلك الموكب فمشى كل من كان له عمامة خضراء يكبرون ويهللون فكانوا عدداً كثيراً وكل من وجدوه بالطريق وعلى رأسه خضار جذبوه وسحبوه قهراً وأمروه بالمشي وإن أبى ضربوه وسبوه وبكتوه بقولهم، ألست من المسلمين وكذلك تجمع أرباب الأشاير ومشوا على عادتهم بطبولهم وزمورهم وخباطهم وخرقهم وخورهم وصياحهم، فلم يزالوا حتى وصلوا الى قراميدان وتسلم المحمل محمد باشا أبو مرق من سليمان آغا الذي وصل به ولكونه عوضاً عن سيده أمير الحاج صالح بك، ثم صعدوا به الى القلعة وأودعوه هناك وعملت وقدة وشنك تلك الليلة.
وفي ذلك اليوم، شرعوا في فتح باب الفتوح، وكان القصد إدخال المحمل منه لضيق باب الاستثناء الثاني الذي جدده الفرنساوية عند باب النصر، فلم يتأت ذلك لمتانة البناء واستمروا ثلاثة أيام يهدمون في البناء الذي على الباب من داخل، فلم يمكن ودفنوا صالح بك بتربة أعدت له بقرافة المجاورين والعجب أن الناس من القديم يتمنون أن يقبروا بالأرض المقدسة لكونها عش الأنبياء والصديقين وهؤلاء الثلاثة بالعكس فما هو إلا لتطهيرها منهم.
وفيه ورد خبر بإسكندرية بانقضاء الحرب وطلب الفرنسيس الصلح بعد وقوع الغلبة ليهم وهزيمتهم وأخذ منهم عدة أسرى وانحصروا في الأبراج فأمنوهم وأجلوهم خمسة أيام آخرها يوم الخميس سابع عشرينه.
وفيه ألزموا حسن آغا المحتسب بالنقلة من داره وهو في الحبس فأرسل الى حريمه وأتباعه فانتقلوا الى مكان آخر.
وفيه ورد الخبر أيضاً بورود عثمان كتخدا الدولة الذي كان بمصر في العام السابق وباشر الحروب بمصر وصحبته آخر يقال له شريف أفندي.
وفي سادس عشرينه قدم محمد أفندي المعروف بشريف أفندي الدفتردار وقدم بصحبته عثمان كتخدا الدولة وسكن شريف أفندي بدرب الجماميز وسكن الكتخدا بمنزل حسن آغا المحتسب سابقاً بسويقة اللالا.
وفي غايته عمل شنك ومدافع كثيرة وذلك لوصول خبر بتسليم الإسكندرية وسبب تأخرهم الى هذه المدة بعد وقوع الصلح انتظار الأمر بالانتقال من بونابارته، وذلك أنه لما وقع الصلح المتقدم أرسل ساري عسكر منو تطريدة الى فرانسا بالخبر الى بونابارته وانتظر الجواب فورد عليه الأمر بالانتقال والحضور، فعند ذلك نزلوا متاعهم الى المراكب وسافروا الى بلادهم.